لم أحبذ يوما السفر بالقطار. رغم أنه أصبح وسيلتي الأكثر استخداما في الآونة الأخيرة، إلا أني أظل مؤرقا منذ بداية الرحلة حتى نهايتها. شيء ما يخيفني في حركة القطار و صافرته، حتى اهتزازاته المعتادة فوق القضبان كانت تثير انقباضا عجيبا في داخلي .
في أي يوم عادي كان مجرد اقترابي من محطة القطار وحده كفيلا بإثارة شجوني و استثارة أفكاري السلبية، ربما لارتباط القطار لدي بفكرة الفراق، أو ربما أحمل ذاكرة لحادث عشته في حياة أخرى .
لكن هذه المرة كان شيئا مختلفا، لم أكن راغبا في السفر و لا مستعدا له، لكن فجأة وجدتني أدخل إلى المحطة و أقطع تذكرة للقطار المتجه إلى الشمال. إنها المرة الأولى التي أركب فيها هذا القطار و أسافر على تلك السكة المتجمدة. لا أدري حقا ما الذي دفعني لذلك، و لكن كنت كالمغيب أسير بغير إرادة مني و غير هدف
حين صعدت إلى العربة وجدتها فارغة إلا من طفلة صغيرة لا تكاد تبلغ السابعة من عمرها تقف على أحد المقاعد، تنظر من النافذة في شرود. اتجهت نحوها و جلست على المقعد المقابل لها في صمت. بدت و كأنها لم تلحظني، ربت على كتفها في رقة، استدارت نحو في عنف و رمقتني بنظرة باردة أحسست أنها تخترق ضلوعي و تثير في قلبي القشعريرة
تأملتها في صمت، أذكر أني رأيت تلك النظرة الباردة من قبل، إنها تشبه شخصا أعرفه، بدت علي البلاهة فابتسمت لي في خبث. حاولت اختراقها و سبر أغوار روحها -كما اعتدت أن أفعل مع مرضاي- علني أنجح في معرفة من تكون، و لكن كلما حاولت أكثر، كلما فشلت أكثر. تحولت القشعريرة الباردة داخلي إلى انتفاضة في أطرافي و شعرت بأصابعي تتجمد. تطلعت نحوي الطفلة في شراسة و مدت يدها لتلامس جبيني لمسة غبت بعدها عن الوعي .
لا أدري ماذا حدث بعد ذلك، كل ما أذكره أني أفقت ممددا في سريري، و تلك البرودة مازالت تأكل أطرافي. اتجهت إلى مرآتي و تطلعت نحوها في صمت، أدركت الآن أين رأيت تلك الطفلة من قبل
No comments:
Post a Comment