Thursday, July 14, 2011

تواصُل


"مرحباً بك مرة أخرى، لم نرك هنا منذ فترة"  قالها لي وهو يمسك بالمقبض ليفتح الباب.
أربكني تعبير وجهه العفوي ابتلعت ريقي في صعوبة وغمغمت"حسنا .. نعم .. في الحقيقة .. أنت تعلم الظروف
"
"
حسناً، نحن نعرف. تفضل، أمازلت تذكر تفاصيل المكان؟" قالها بابتسامة رضا واسعة أشعرتني ببعض الارتياح.
"نعم، حسناً، أعتقد أني لم أغب كل هذا الوقت" قلتها وأنا أشق طريقي عبر الردهة وبين المقاعد والجالسين حتى وصلت إلى منضدتنا المعتادة خلف حوض الورود الحمراء.
وجدتها هناك، تجلس نفس جلستها المعتادة، تنظر عبر النافذة في وجوم، تراقب المارة وتعد السيارات، أمامها فنجان القهوة كما هو لم تمتد يدها إليه، بدا وكأنها مازالت تجلس ذات الجلسة لم تتحرك منذ رأيتها أول مرة .
جذبت مقعدي في هدوء وجلست، بدا وكأنها لم ترنِ بل وكأنها لم تشعر بوجودي، تحسستُ أصابعها في رقة كانت كافية لإنهاء شرودها وإعادتها لأرض الواقع. التفتت نحوي في فزع ونظرة التفكير في عينها تحولت لنظرة عتاب لذيذة .
"قد افتقدتك جدا، لماذا تأخرت كل هذا الوقت"
نظرت في ساعتي، بالفعل كنت متأخرا بعشر دقائق عن ميعادنا "حسناً، آسف، ولكني حقا لم أتأخر كثيراً"
"عشرون عاماً ولم تتأخر!!"
"ليست عشرين عاماً بالمعنى الحرفي، لقد كنا سوياً من ساعتين"
قطبت جبينها في انفعال وقالت "أخبرني عن أحوالك وعن حياتك، هل حققت شيئاً من أحلامك"
أجبتها في ملل "كل شيء على ما يرام، أنا الآن أب ولدي أسرة صغيرة أعشقها بجنون ولدي شركة هندسية صغيرة أديرها مع زوجتي، التي هي أنت بالمناسبة. ولكن لم أخبرك كل هذا، أنت تعرفين على أي حال"
ابتسمت في خجل قائلة "نعم أعرف كل هذا، لكني أسأل عنك، أخبرني عن ذاتك، هل تشعر بالرضا عما وصلت إليه"
"حسناً، أنت تعرفين أنني أستمد سعادتي من سعادة الآخرين، ولكن أستطيع أن أقول أني بخير"
حين نظرت إليها، وجدت ذلك الانفعال الملائكي الرائق –الذي كنت أعشقه- على وجهها، وجدت عينيها تلمعان، وابتسامتها تضيء، وجدتها تتألق على نحوٍ لم أره منذ عشرين عاماً
"
لكني حقاً افتقدتك، افتقدت جلستنا هذه، وحديثنا هذا، افتقدت نظرتك هذه، لمستك، ابتسامتك، لمعة عينيك، افتقدتك حقاً" قلتها واحتضنت يدها بقوة، وكأني أخشى أن تهرب مني ثانية .
لمعت الدموع في عينيها واحتضنت يدي هي الأخرى
نا أيضا افتقدتك جداً، عشرون عاماً وأنت جواري لكنك لست معي، دائماً كان همك العمل والاجتهاد وتربية الأبناء، لم تكن معي حقاً. احتجت دعمك لي، مشاركتك أفكاري، افتقدت حبك لي، شغفك حين تداعبني، حتى حينما كنا في السرير، كنت تفعلها وكأنك مرغم على أداء واجبك الأسري، لا لأنك ترغب في"
"
ولماذا لم تقولي شيئا من قبل، لماذا لم تظهري ذلك"
"كان يجب أن تشعر بي وحدك، أن تأتيني بإرادتك، لا أن أناديك"
"
حسنا، أنا هنا الآن ولن أذهب بعيدا مرة أخرى، سأظل جوارك للنهاية"
"
هذا ماقلته يوم زفافنا، أتذكر؟"
"
حسنا أذكر، لكني الآن تغيرت، لقد فعلت كل ما طلبته حتى الآن، أني اعتبرت الفكرة في البداية ضرباً من الصبيانية"
"صبيانية"
"قلت في البداية، لكنها حقاً تروقني الآن، ومادامت ترضيكي فهي ترضيني"
"لا تفعل ما يرضيني، فقط افعل مايرضيك. ألم تلحظ الفرق حين دخلت؟ الكل لاحظ ذلك، لاحظوا أنك ولأول مرة منذ عشر سنوات تبتسم "