Friday, December 31, 2010

المختار


كل شيء كان يقول أنه هو، كل الدلائل كانت تدل على ذلك، كل العلامات التي لا تخطؤها القلوب ولا الأبصار، كل ما فيه كان يقولها صريحة؛ أن النبوءة تنطبق عليه بحذافيرها، أنه هو المختار ولا أحد سواه .
 "سيأتيكم من ليس له اسم، نبت في أرض لم يحرثها بنو الإنسان، مخلوقٌ من طينة الجبابرة القدماء، معلَّمٌ بعلامة ثورٍ بريّ، مختومٌ بخاتم الآلهة المقدس، فأطيعوه، واتبعوا الطريق الذي يسلكه، فإن خلاصكم يكون على يديه"
لا يعلم أحد متى كانت النبوءة ولا من أطلقها، لكن كل أبناء عشيرة الإيتانيين يحفظونها عن ظهر قلب وكلهم يؤمنون بها بل إنهم يعدون من يشكك فيها من المهرطقين . وحده هو لم يؤمن بها مطلقاً، ربما لأنه يدرك أنه أقل من أن يكون قائداً أو مختاراً، هو فقط يريد أن يصبح عادياً .
لكن معالم النبوءة تتضح شيئاً فشيئاً، وانطباقها عليه أصبح من المسلّمات التي لا تقبل الجدل. فهو يتيم غير معلوم الأب ولا الأم، وجده أحد الصيادين ملفوفاً في عباءة وملقىً على شاطيء البحيرة الكبرى. هو لا يشبه حقاً الجبال، لكنه أضخم أهل إيتانيا وأقواهم بنياناً. في صغره هاجمه ثورٌ هائجٌ مما ترك في جبينه علامة لم يستطع الزمن أن يمحُها. أما خاتم الآلهة المقدس فلا أحد يعرف ما ذلك الشيء .
منذ صغره –وبعدما ظهرت عليه علامات النبوءة- ضمه كهنة المعبد إليهم ونقلوا إليه كل أسرارهم وفنونهم المقدسة. أتقن منذ صغره القتال والمنازلة وعلوم الطب والكيمياء والسحر، حتى الأسرار الكهنوتية المحرمة التي لا يعلمها إلا الكاهن الأكبر علّموه إياها .
حين بلغ الحادية والعشرين من عمره، رأى كاهن المعبد الأكبر أنه صار مستعداً لتحمل أمر النبوءة، وأن الوقت قد حان ليشن الإيتانيين حربهم المقدسة. استدعاه الكاهن إلى المعبد ليعقد مجلس الحرب ويضيء لهم الطريق المقدسة للنصر. حاول إقناع مجلس الكهنة أنه ليس من تنطبق عليه النبوءة وأنه ليس مختارهم المزعوم، حاول إخبارهم أنه ليس مستعداً بعد وأنه ليس في إمكانه قيادتهم، لكن صوت الكهنة كان أقوى من صوته، ورأيهم كان أقرب لقلوب الإيتانيين من رأيه، فلم يستطع الاعتراض .
هو لا يؤمن حقاً أن باستطاعته قيادة الجيش أو حتى القتال. هو حتى لا يؤمن بالنبوءة، ولا يصدق أنها حقاً وحيٌ نقلته الآلهة إلى الأب الأكبر لإيتانيا حين أمر بإنشاء المعبد كما يقولون، هو يرجح أنها مزحة من أحد المهرجين أو قصيدة لأحد الشعراء أو حتى إرهاصة لأحد السكارى –وما أكثرهم في إيتانيا-
ولكن حتى وإن كان لا يؤمن بالنبوءة ولا بقدرته على تحقيقها، فهو لا يمكن أن يتراجع عنها، لقد خرج الأمر من حيز المشيئة بالنسبة له. كما أنه ليس لديه حقاً ما يخسره، لا عائلة ولا أصدقاء ولا رفيقة ولا شيء، إذن فلا مانع من أن يجرب قيادة جيشهم المزعوم، لعل الآلهة ترؤف بحاله وتكتب له النصر .
ولكن كيف لآلهة إيتانيا بما لها من جبروت وجموح وغطرسة –كما رُوِيَ له- أن تنصر من شكك دائماً في وجودها وقدراتها ومن لم يؤمن يوماً بوحيهم ونبوءتهم المزعومة وعلاماتهم المقدسة، في حين أنها لا تنصر الخاضعين النُّسَّك المساكين الذين ينفقون قوتهم وقوت عيالهم من أجل استرضائها  . إن ذاته هي الشيء الوحيد الذي عليه أن يؤمن به، هي الشيء الوحيد الذي سيساعده في حربه وحرب الإيتانيين، إذن فليؤمن بذاته وقدرته، وليذهب الآلهة إلى الجحيم .
انطلق جيش الإيتانيين الجرار مكتسحاً أمامه المدن والممالك الصغير المجاورة، جار على الممالك الضعيفة أولاً، أتى على الأخضر واليابس، ولم يخلّف وراءه أي رأسٍ كما أمره كبير الكهنة. نجح الإيتانيون وجيشهم الضخم في تنفيذ المرحلة الأولى من خطة الحرب المقدسة، انتشرت الأقاويل عن الإيتانيين وجيشهم الحاشد، عن وحشيتهم وتعطشهم الوحشي للدماء، نجحوا في بث الرخوف والهلع في نفوس الآخرين، فكانت الممالك تسقط أمامهم دونما أدنى مقاومة، ودون رفع للسلاح .
كانت الأخبار ترد إلى إيتانيا عن انتصارات جيشهم الساحقة فتزيدهم إيماناً بالنبوءة وصدقها، وتزيدهم تحرقاً لانتظار بشارة سيادتهم المزعومة. كان كل شيء يسير كما أرادوا حتى ذاق الجيش كأس الهزيمة في نوراسيا، تبعها انكسار ساحق في كاروزيا فقتل كل أحلامهم في النصر الإلهي المقدّس .
عادت بقايا الجيش المحطمة إلى إيتانيا مكللة بهالات الموت وصيحات القتلى الفزعين، تحلق فوق رؤوسهم الجوارح من الطير وتحوطهم الهزيمة من كل ناحية، ليجدوا محكمة الآلهة المقدسة منعقدة في انتظارهم أمام المعبد يترأسها الكاهن الأكبر ويحضرها كل من خلفوه ورائهم وجازفوا بحياتهم من أجل تحقيق نبوءتهم الكاذبة وحلمهم المزعوم . أصدرت محكمة الآلهة المقدسة حكمها دونما مرافعة ولا مداولة ولا تحقيق؛ فقط تلى الكاهن الأكبر الاتهامات وصدر الحكم على الفور .
 لم يشك أحدهم في النبوءة، ولم يفكر أحد في التحقق من صدقها وثبوتيتها، لم يظن أحدهم ولو للحظة أن النبوءة ربما لا تتحدث عن جيش ولا عن حربٍ مقدّسة، كلهم تجاهلوا التحقق من النبوءة ومن نصها، ولكن اتفقوا على أن مختارهم المزعوم ليس من تتحدث عنه النبوءة، بل هو ابن سفاح أرسلته لهم الشياطين كي تضللهم وتصرف همهم عن البحث عن المختار الموعود –بدليل أنه لم يولد بعلامة الثور بل اكتسبها، كما أنه لا يملك خاتم الآلهة المقدس-. حكم عليه بأن يُصلب في ساحة المعبد وأن يُعزل من عاد من جنوده ويُحرموا من دخول المعبد والصلاة على أبوابه ويُجرّدوا من كل حقوقهم ليظلوا موصومين بالعار طول حياتهم .
انفضّت المحكمة ونُفذت الأحكام ومازال الإيتانيون في انتظار مختارهم الموعود ليحقق نبوءتهم المقدسة .

Wednesday, December 29, 2010

برد

أعشق الصباحات الشتوية الممطرة، أشعة الشمس التي تجاهد كي تخترق الغيوم الرمادية راسمة أبدع لوحات الطبيعة .
نسيم الصباح المشتد المتحوّل إلى تيار هوائي جارف يؤرجح كل شيء، يتلاعب بكل شيء، يتحكم في كل شيء، بدءاً من الأوراق المتناثرة في الشارع إلى الأشجار الثابتة على جانبيّ الطريق. أعشق مشهد الأشجار المتراقصة، وإن كنت أشفق عليها من شدة الميل؛ فلا هي تصل إلى الطريق فتتوه في زحام التائهين، ولا هي تصل إلى صفحة الماء فتمتزج مع التيار.
الطرقات الآن شبه فارغة، أفتح ذراعي على أشدهما سامحاً للهواء بمداعبة كل خلايا جسدي المنهكة، الرذاذ الخفيف المتساقط يلامس روحي فيطهرها من كل خطيئة، أنا الآن أمتلك العالم. يشتد تساقط الرذاذ فيتحول إلى مطر، الآن الشارع خالٍ من كل حياة إلا بعض الحيوانات الضعيفة الباحثة عن الدفء، أحكم إغلاق معطفي وأسرع الخطو إلى المنزل، أنا أيضا أبحث عن الدفء.
أصل إلى المنزل بعد انتهاء نوبة الفرحة السماوية، أغير ملابسي المبتلة، أعد كوباً من القهوة، أفتح المذياع ينطلق صوت الملك منير "دحرج حلمه وألمه واسمه، دارى عيون عايزين يبتسموا". ربما منذ قليل كانت تلك حالتي بالظبط، لكنّي الآن لا أريد مواراة الفرحة داخلي، ليس بعد الآن.
ألقي بنفسي تحت الأغطية الثقيلة، أحاول البحث عن قليلٍ من الدفء بشتى الطرق، لكم أحب الصباحات الشتوية، لكن أكره شعوري الدائم بالبرد

Tuesday, December 14, 2010

وحيداً على مقعد باتجاه الطريق


أجلس وحيدا

على مقعد باتجاه الطريق

أحكم إغلاق معطفي حول جسدي

وأبقى منتظرا للذي لن يجيء

كل الشوارع الممتدة في الأفق لي

أعبرها إن أشاء

أسير على أرصفتها إن أشاء

وأبقى على المقعد إن أشاء

كل الصبايا اللائي يجبن الطريق يبسمن لي

كل الرذاذ المتساقط من قلب سحب السماء

نزل لكي يغسلني

كل الطيور التي حول رأسي تغرد

كل البلابل

كل الزنابق

كل الورود

كل الزهور التي بالعبير تفوح

كلها ملك لي

فلماذا أجالس ذاتي منتظرا للذي لن يجيء



Saturday, November 13, 2010

المقعد الخشبي بالشرفة



حين رأيت والدي يجلس على المقعد الخشبي الخاص بجدي في الزاوية الغربية للشرفة، ظننته فقط يفتقد والده الراحل لكني لم أحتج إلى كثير من التدقيق لأدرك أنه يرتدي ذات النظارة السميكة والروب الأخضر الثقيل اللذين كان  يرتديهما جدي من قبل.

لطالما تعجبت من جلسة جدي تلك -ومن بعده والدي- كان يستيقظ من نومه لا يفعل شيئا غير الجلوس في الشرفة شارداً، صامتاً، يتأمل انعكاسات الضوء وتشكيلاته على صفحة ماء النهر في صمت.

أخبرتني والدتي أن جدي لم يكن هكذا دوماً، كان فيما مضى أشد حيوية وانفعالاً من طفل في السابعة من عمره، لكن حاله انقلب فجأة بعد وفاة والده. أصبح وحيداً، صامتاً، لا تظهر عليه آثار الحياة، أشد جموداً من مقعده الخشبي

بعد وفاة جدي، لا أذكر أن والدي بكى أو انتحب أو بدا عليه الانفعال أو التأثر، كل ما فعله أنه أتم عملية الدفن ثم أخذ دوره في الشرود وحل محل والده على المقعد الخشبي في الشرفة مرتديا ذات الملابس راسما نفس النظرة المبهمة .

أخبرتنا عمة والدي أن جلسة والدي -وجدي من قبله- هي ذات الجلسة التي كان يجلسها والدها قبلهم. أقسمت خالتي أن هذا المقعد ملعون، يختطف رجال العائلة واحداً تلو الآخر ولابد أن نتخلص منه قبل أن يقتل والدي كما فعل من قبل مع أبويه. لكن والدتي رفضت أن تسلب والدي الشيء الوحيد الذي يحبه في هذه الحياة.

لكني أنا من كرهت المقعد وصممت على كسره أو بيعه أو إحراقه، لا أدري إن كنت أخشى على والدي من أن يقتله المقعد أم لأني أعلم جيدا أني سينتهي بي الحال كما أسلافي مرتدياً ذات النظارة السميكة والروب الأخضر الثقيل، محملقاً في اللاشيء

Monday, November 8, 2010

صمت

 
لا ندري حقاً من منا دخل الحالة أولا، من منّا اختار الصمت . لكنّا وافقنا عليه معاً و رضينا به سيداً للوضع بيننا . 

في فترة خطبتنا كانت لقاءاتنا و زياراتنا و أحاديثنا الهاتفية لا تنقطع، حتى في أشهر زفافنا الأولى كنا لا نكاد نصمت. بمرور الوقت أصبحنا نكتفي بمحادثات أوقات الشاي و الطعام و تحيات الاستيقاظ الخاطفة. بعدها أصبحنا نكتفي بالأحاديث الروتينية الباردة، ثم أخيرا اختفتى الابتسام بيننا وبدأ الصمت . 

أصحو من نومي، أتأملها، أتحسس وجهها بأصابعي، مازالت كما هي منذ تقابلنا أول مرة -ملاك بكل معاني الكلمة- وجهها الرقيق، بشرتها، ملمسها الناعم، رائحتها الخلابة، كل شيء كما هو لم يتغير، إلا ابتسامتها و لمعة عينها قتلهما الصمت أو قتلتهما أنا . 

تستيقظ هي الأخرى، تتأملني، ننهض سوياٍ، نفطر سوياً، نرتدي ثيابنا سوياً و نخرج سوياً، لكن يفصلنا الصمت . 

لا أدري حقاً سبباً للصمت، مازلت أحبها كما كنت بل ربما أكثر من قبل، مازالت تملأ كل كياني. مازلت أقضي يومي في تحضير كلامي، مازال في داخلي ما أريد أن أبوح به، لكن كلامي يأبى أن يخرج فأكتفي بالنظر إليها . 

هي أيضا تفعل مثلي، تتأملني، تفكر، تنازعها الكلمات، لكن فمها يأبى النطق. عينها تشي بها، تقول أنها تحبني كما أحبها. أنها مثلي تريد البوح، لكن يمنعها الصمت . 

لابد و أن ننهي تلك الحالة، أن نخرج من ذاك القفص اللعين، أن نهزم هذا الصمت. أُوقِف السيارة، ألتفتُ إليها، أجدها تتأملني في شغف، أمد يدي نحوها، أتحسس كف يدها. تحتضن أصابعي في حنان، أبتسم لها، أهم بالبوح لكن لا أقدر، لا أجد ما أُعبر به عمّا بداخلي، فأكتفي بالصمت، تدمع عيناها، أحتضنها، تختلط دموعنا، نتشابك طويلا، نكاد نلتحم، ولكن يفصلنا الصمت .

Sunday, October 17, 2010

فلسفة الهزيمة





رغم ابتسامة الظفر على شفتيه واختلاجة النشوة في جوفه، إلا أنه يدرك جيدا أن الهزيمة حتمية وأن النهاية أقرب مما يعتقد 

لم أستطع يوماً أن أفهم فلسفته في عشق الهزيمة، هو يهوى المعارك الخاسرة، يخوضها بكامل إرادته، يقاتل بكل شجاعة وحنكة وشراسة .... ولكنه دوماً ينهزم 

إن كان لا يدرك حتمية الهزيمة في كل معاركه فهو أعمى لا يرى عواقب أفعاله وأنا لم أعتده ذلك أبداً. وإن كان يراها ويصر على الشروع في القتال فهو إما مجنون لا يعي ما يفعل، وإما مغامر مغوار يسعى لإثبات شيء ما 

هو ليس ك دون كيشوت أو شيء من هذا القبيل، أعرف جيداً أنه لا يسعى خلف مجد زائف ولا يرغب في تسجيل اسمه بين النبلاء. لكنه يعشق الخطر، ويهوى اقتحامه، ربما دفقات الأدرينالين في عروقه تخلق له شعورا بالانتشاء

هو أقرب إلى سندباد -ذلك الذي أفنى حياته في الارتحال، لكنه أبداً لا يصل- كذلك هو يفني حياته في القتال، ولكنه أبداً لا ينتصر. بالتأكيد لديه فلسفة ما، شيء ما يدفعه لذلك، شيء أكبر من النصر ومن الهزيمة وأكبر من المعركة ذاتها، شيء يراه هو أكبر من الحياة

Tuesday, October 12, 2010

مناجاة



يا إلهي 
إليك أتيتُ بغير وسيطٍ وغير ملاذٍ وغير صديق 
أتيتُك وحدي و ليس سواك لدربي رفيق 
أتيتُك ليس معي غير نفسي 
ولستُ سواك أريد 
وما كنتُ أرحلُ إلا لأجلِك 
ما جئت أرجو سواك 

يا إلهي 
أتيتُكَ أطلب منك سلامةَ روحي 
وصحةَ رأيي 
وألا أغامر بعد فوات الأوان 
وألا أظلُّ غريبا ً
وأن تجعلَ النُّور حولي لكي لا أموت
لأعرف أين طريقي 
وأين مآلي 
وأين نهاية عمري 
وأين المصير 
أتيتُك أطلب ألا أضل الطريق 
أن أكون أنا لا شبيها لغيري 
أن أكون كما شئت دوما 
و أرجوك أن تملأ القلب لي بالحياة

Saturday, October 2, 2010

بنت عادية



كنت زمان بحس إن في آخر السكة هلاقيكي
بتضللي عليا
زي شجرة توت كبيرة حنينة
مزروعة خير
مروية بالحلم الكبير اللي قلبي بيعيش يحلمه

كنت بقول إني هلاقيكي
نجمة عالية أعلى من كل الشموس
بتضوي علشاني
بتنوريلي السكة قدامي
بتوهبيلي الدنيا والأحلام
وبتزرعيلي حياة جوا قلبي الصحراوي الميت

كنت زمان نفسي ألاقيكي
بس ماكنتش عارف أوصل
والنهاردة وصلت
بس مالقتكيش شجرة، ولا نجمة، ولا نقطة نور
لقيتك ناسية ومشغولة ومحتارة
لقيتك صادقة ساعات وساعات كدابة
لقيتك بتحبي إنك تشتغليني
لقيتك بنت عادية
لقيتك حتى مش شبه الحلم بتاعي

خيانة




لما جت تحكيلي عنها
عن هواها
عن كلامها
عن حاجات ساكنة ف عيونها
قالتلي عشها
حبها
واحلم معاها
قالتلي كنها
واملى كل زوايا كونها
قلت مش عايز أكونها
أنا عايز أكونك
قالتلي آسفة دي صاحبتي ماقدرش أخونها
قلتلها آسف بعشقك ماقدرش أخونك

مستنيك




أنا هفضل قاعد ساكت
وأعمل نفسي إن أنا مش مستنيك
مع إن أنا قاعد علشانك
بستنى لحد ماتيجي

وأنا عارف إنك جاي
إن غبت عليا هتيجي
إن أخدتك الدنيا هتيجي
حتى إن تهت عن العنوان، أنا عارف إنك جاي

إن جيت أنا مستنيك
وإن قررت تروح ماتجيش
فأنا مش عايزك تيجي
أنا أصلا عامل نفسي إن أنا مش مستنيك

Monday, September 13, 2010

50 يوم

انهاردة كملت 50 يوم من غير ما أكتب حاجة جديدة، 50 يوم من غير ما أنفعل بحاجة ولا أتأثر بحاجة ولا أنتشي بحاجة. 50 يوم من غير ما يستفزني حد أو حاجة إني أكتب عنه أو منه.

50 يوم بالنسبالي مش فترة طويلة قوي ولا حاجة، بس المشكلة مش في الوقت، المشكلة إني طول الفترة دي أنا فعلا معنديش حاجة عايز أقولها ولا عندي حاجة بفكر فيها. 50 يوم بعيش حالة من خمول الفكر والروح، حالة من التبلد والاستنطاع واللامبالاة وعدم التأثر بأي حاجة برايا أو جوايا.

50 يوم بالتمام والكمال وأنا حاسس إني أجوف، فاضي من جوا، جامد من برة، حاسس بنفس إحساس علبة الصفيح المركونة ع الرف بتتمنى أي حد يحتاجها في أي حاجة. كل اللي بعمله إني عمال أضحك على نفسي وكل ما أكتب حاجة تطلع شوية هبل

المستفز بقى إني حتى مش بحاول أخرج من الحالة دي، محاولتش أقرأ، أخرج، أنطلق، أتكلم، أفكر، أناقش. محاولتش أعمل أي حاجة من الحاجات اللي بتستثيرني وبتخلق جوايا أفكار أو مشاعر أو حتى بتعيشني في حالة الكتابة، وكأني رضيت باللي بيحصل

Sunday, September 12, 2010

صعود

الصعود هذه المرة أصعب مما توقعت، الرحلة تبدو شاقة والطريق يبدو أطول من المعتاد. أضف إلى ذلك ما أعانيه من إرهاق جسدي ونفسي وروحاني. إنها حقا رحلة العمر

شئت أم أبيت لابد أن أرتحل، لابد أن أصعد. الوصول هو قدري، أو هكذا كنت أظن. في هذه اللحظة الوصول يبدو مستحيلا. الانتكاسة أقرب مما تخيلت.

في الماضي اعتدت تقسيم الرحلة إلى عدة مراحل، كل طريق أقسمه إلى أجزاء، أستريح بين كل مرحلة والأخرى، لا أذكر أني أكملت رحلة من رحلاتي المعتادة من أول انطلاقة، لكن هذه المرة تختلف، هذه المرة إن سقطت لن أنهض، إن انتكست فلن أصل

أخيرا تقترب النهاية، أصل إلى المنشود، كل شيء على ما يرام، كل شيء يبدو هادئا، هادئا أكثر من اللازم. كل الأبواب موصدة من الداخل، كل الأقفال تأبى الاستجابة، كل شيء لا يبدو على مايرام

عد من حيث أتيت، أشعر بتردد ذلك الصوت في قوة وإن كنت لا أسمعه، لا يبدو أن هناك من قاله، لابد أنه صوت ضميري، ولكن لماذا صوت ضميري لا يشبه صوتي. حسنا سأعود، أتهيأ لرحلة العودة التى دايما ما أستلذها، لماذا الهبوط دوما أسهل مما يبدو

Saturday, August 14, 2010

أسرة


ثلاثة أشهر على الأكثر و ينتهي كل شيء
 قالها لي طبيب الأورام الشهير مواسياً بعد أن وصل الورم داخلي إلى مرحلة لا يمكن الشفاء منها. رغم قوله الصادم إلا أني لم أشعر بالأسى تجاه نفسي إذ كنت أتوقع ذلك بل و أنتظره 

ودعته و انصرفت في هدوء إلى منزلي، عندما وصلت كنت قد قررت ألا أخبر زوجتي و أولادي بذلك الخبر فلا حاجة بهم أن يحزنوا قبل الأوان، ثم إنني مازال أمامي ثلاثة أشهر كاملة لأقضيها معهم، إذن لأجعلها أسعد أيام حياتنا علّهم يذكرونني بالخير بعد رحيلي 

سآخذهم في رحلة إلى الخارج لنقضيها سويا، سنزور كل البلاد التي لا نعرفها، و نرى كل الأماكن التي طالما حلمنا بها، سنجرب أشياء جديدة و تجارب جديدة و سنعيش كما لم نفعل من قبل

مررت على شركة الطيران و حجزت التذاكر للسفر إلى باريس، اشتريت لزوجتي زهورها المفضلة و أحضرت طعام العشاء و بعض الحلويات و اتجهت إلى المنزل. حين وصلت، وجدته مظلما، كئيبا و خاليا من أي صوت، ظننت أنهم خلوا إلى النوم مبكرا 

قررت ألا أزعجهم و اتجهت إلى غرفة نومي. لم أجد زوجتي هناك فأضأت المصباح و وجدت ورقة موضوعة فوق السرير، قرأت فوجدتها رسالة من زوجتي تخبرني أن الطبيب قد أخبرها كل شيء و أنها أخذت الأولاد و ذهبت لأمها، وأنها تنتظرني هناك لأمر عليها أنا و المحامي لكتابة الوصية و لننظم سويا لحياتها و حياة الأولاد بعد رحيلي

Saturday, August 7, 2010

البريء






"
حكمت المحكمة حضوريا ببراءة المتهم من التهم الموجهة إليه" حين نطقها القاضي في آخر جلسات القضية كنت كمن ردت إليه روحه بعد انتزاعها، حين خرجت من باب المحكمة في طريقي لعربة الترحيلات كنت كمن يرى الضوء لأول مرة، رغم شدة سطوع الشمس إلا أني رحت أتطلع إليها في تلذذ لم أعهده من قبل 

إنها المرة الأولى منذ سنة كاملة التي سأشعر فيها بالحياة تدب في أوصالي من جديد، يمكنني الآن أن أتنفس بحرية وأضحك بحرية، أتقافز، ألهو، أمرح، أعيش بحرية. لا أذكر آخر مرة شعرت بهذا الإحساس من قبل، لكني أدرك جيدا أني لن أفرط فيه بعد الآن 

حين خرجت من السجن لم أجد ما تمنيته، لم أجد أحدا في انتظاري كما كنت أتوقع، لا الأهل ولا الجيران ولا الأصدقاء، لا أحد . حتى نسمات الهواء لم أجدها في استقبالي 

حين وصلت إلى حينا، أدركت حقيقة أن المتهم مدان حتى لو ثبتت براءته. الكل أصبح يتحاشاني الآن، أرى عيونهم تدور في محاجرها، أسمع همهماتهم وتهامسهم وتعليقاتهم القذرة، أشعر بنفورهم وكراهيتهم. حسنا أيها الغوغاء أنا أمقتكم أكثر، أكرهكم أكثر، أنفر منكم أكثر . 

حين صعدت وجدتها هناك تماما كما توقعت، تقف أمام باب شقتها مرتدية واحدا من أثواب نومها الشفافة التي طالما حاولت إغوائي بها ولم تفلح فاتهمتني باغتصابها. حين نظرت نحوها، شعرت بالاشمئزاز منها، شعرت بالغثيان، لكم أمقت تلك اللعينة. أردت أن أبصق عليها، أن أسبها، أن أركلها أو أحطم أنفها البلاستيكي اللامع، أردت أن أقتلها. لكني لم أفعل، فقط أشحت بوجهي عنها وأكملت طريقي نحو باب شقتي 

استمر الحال على هذه الوتيرة طيلة أسبوعين، الناس في همسهم وحديثهم وهي في سفورها وصفاقتها، وأنا لا أفعل شيئا سوى التجاهل. لكني لم أستطع كبح جماح غضبي للأبد، لم أستطع أن أسيطر على نفسي، ليس بعد الآن. قررت الانفجار بعنف، سأنتقم منها ومن الناس ومن نفسي أيضا، سأحقق ما اتهموني به، وسأفعل فيها ما يجعلها تندم على عبثها معي

حين رأيتها جذبت شعرها المموج بكلتا يدي وسحبتها منه كما يسحب العبيد، أدخلتها شقتي ورميت بها على الأرض في عنف وأغلقت الباب. لكمتها في عنف، مزقت قميص نومها، واعتصرتها في شراسة. كل ذلك وهي لم تصرخ صرخة واحدة، ولم تسقط منها دمعة واحدة. حين نظرت في وجهها لأعلن لها أني أتممت انتقامي وشفيت غليلي، وجدتها في قمة التلذذ، في عينها لمعة الشماتة وعلى شفتيها ابتسامة الظفر

Thursday, July 29, 2010



لم يكن موعدنا الأول ولا خلوتنا الأولى،كان مجرد واحد من لقاءاتنا المعتادة ، كانت مجردة واحدة من لمحات الغباء المتكررة في أي يوم عادي من أيام يوليو الخانقة.

الإرهاق يلون كل شيء، بشرتها، شعرها، ملابسها، مقعدها، يمتزج برائحة عرقها، يتبخر مع أنفاسها الحارة، يسيطر على كل مظاهر الحياة فيها، رأسها يسقط على المنضدة في إعياء واضح

حسنا، إنها فرصتي الآن، الأمر لم يكن بمثل هذه السهولة من قبل، نحن وحدنا تماما، هي في قمة التعب، وأنا وصلت لدرجة الغليان، سأستغل فرصتي وليحدث ما يحدث

مددت يدي نحوها في بطء، لابد ألا أوقظها قبل أن أصل هناك، بحذر أضع يدي أمام يدها، أتحسس أطراف أناملها في ارتباك

لم أكن أتوقع رد فعلها هذا، توقعت أن تبتسم في خجل، أن تغضب إن ساءها ما فعلت، أن تنهرني عن فعل ذلك. لكنها بدلا من أن تفعل أيا من هذا، تطلعت نحوي في صمت وامتلأت عيناها بالدموع

Monday, July 26, 2010

رغم إن ده عمري
ودي حياتي
رغم إن بكره ده بتاعي
زي انهارده واللي فات و الجاي
كلهم ملكي

بس انهارده زي بكره، زي بعده
زي اللي جاي واللي فات
زي عمري والحاجات الحلوة فيه
كلهم عدوا عليا ونسيوني
وكل يوم بيعدوا ومايشوفونيش
رغم إنهم عارفين إن أنا واقف مستنيهم

Saturday, July 10, 2010

حياة أقل من العادية





مش جديد إن أنت مش لاقي الطريق 
مش جديد إنك لوحدك 
مش جديد إن أنت مش حاسس بنفسك 
مش جديد إنك تخاف 
مش جديد إن أنت مش عارف تعيش 
مش جديد إن أنت أحلامك تضيع 
مش جديدة إن أنت عايش ف السراب 
مش جديد إنك كده 


مش جديدة لما بكره يعدي من غير ما يلاقيك 
مش جديدة الشمس تطلع تحرقك 
مش جديدة لما ضِلَّك يبقى سابق خطوتك 
مش جديدة البحر مش راضي يواسيك 
مش جديدة العمر يسرق فرحتك 
مش جديدة لما قلبك يتقبض قبل امّا تضحك 
وامّا تضحك 
مش جديدة إنك بتنسى دنيتك 

مش جديدة إنك ف عز الضعف بتكون الحياة 
لما تبقى أنت لغيرك طوق نجاة 
مش جديدة إنك تتوه 
وأما تبقى ف عز توهتك ماتلاقيش طوق للنجاة 
مش جديدة إنك غريب 
مش جديدة لما نفسك تبقى مش مالكة لحياتك 
مش جديدة إنك تموت

Saturday, July 3, 2010

ميكروويف





حين اشترى أول جهاز ميكروويف في حياته فعل ذلك للهرب من وطأة إلحاح زوجته رغم علمه التام أنها تريده لا لشيء إلا للتفاخر

رغم سهولة استخدامه وأمانه التام فقد ظل عاما كاملا يخشى من استعماله أو حتى الاقتراب منه

حين قررت زوجته العودة لممارسة عملها أجبره ذلك أن يعتمد على نفسه ويتعلم استخدام الميكروويف لإعداد طعامه بنفسه

رغم ملاحظاته العديدة على الطعام المعد في الميكروويف، إلا إنه افتتن بتلك الآلة السحرية حتى أدمن إعداد كل شيء بها

بعد خروجه من الخدمة أصبح إعداد الطعام في الميكروويف هوسه الأول، أصبح يمتلك ستة أجهزة متنوعة الأشكال والأحجام والخصائص، كل جهاز لإعداد صنف معين من أصناف الطعام

بعد وفاته أوصى لزوجته وأبنائه بأجهزة الميكروويف الستة وتبرع بكل ممتلكاته لمصانع أفران الميكروويف



Sunday, June 27, 2010

ابتسامة


حين رأيته أول مرة، راعني منظره، بائع جرائد أعمى له ذراع واحدة وساق واحدة يجلس داخل كشك صغير وبجواره فتاة لم تتجاوز الثالثة من عمرها، لكن ما استغربته حقا تلك الابتسامة العجيبة على شفتيه، لا أدري إن كانت ابتسامة رضا أو تراضي، هل هي ابتسامة أمل، أم لا تتعدى كونها ابتسامة مجاملة. لا أدري حقاً، لكنها كانت ابتسامة عجيبة

يقولون أنه فقد بصره وأطرافه وزوجته في إحدى الغارات الجوية إبان الحرب لكن الحكومة رفضت إعطائه تعويضا لأنه مدني 

تلك الفتاة الصغيرة ليست ابنته بل هي حفيدته، فقدت أهلها في الانهيار الجبلي الذي حدث مؤخرا وانتقلت بعد ذلك لتعيش مع جدها   وليس له سواها، وليس لها سواه .

شعرت بالتعاطف معه، قررت أن أعطيه مبلغا من المال، لكنه رفضه متعللا بعدم حاجته للمال.قالها وذات الابتسامة لا تفارق وجهه 

حسنا لقد بدأت تلك الابتسامة تستفزني، لقد أحرق ذلك الشقي أعصابي بابتسامته السخيفة تلك، لابد أن يفقد تلك الابتسامة بأية طريقة ممكنة 

لكنه لم يفقدها قط، حتى وأنا أطلق عليه الرصاص بأعصاب باردة بعد أن أحرقت كشك جرائده واختطفت طفلته الوحيدة من بين ذراعيه، ظلت نفس الابتسامة المستفزة تعلو وجهه

Saturday, June 26, 2010

تجاويف

لم يعد بي رغبة للقتال، فرص الانتصار وصلت إلى ما قبل الأرقام المعروفة، يستبد بي الوهن، حتى انتصاب قامتي للحفاظ على استقامة ظلي على الأرض البراح أصبحت معركة خاسرة. ربما الفكرة ليست بهذا السواد، ربما الهزيمة ليست مرة، ربما الظل يحب الانكسار 

التجاويف تظهر في داخلي، تحتل مكان الأعضاء المعروفة، بالأمس كان هنا قلبي، اليوم فراغ، اليوم هنا في داخل هذي الرأس دماغ، غدا يملأ رأسي التجاويف، حتى الروح المنتشية في أوصالي تحتلها الآن تجاويف 

لست وحدك المنكسر، الهزيمة مقدورة للجميع. كل شيء مصيره للزوال، الأرض ستتلاشى، الأفق سيبلى، حتى الزمن سيفنى. وسيأتي عصر اللاشيء، اللا أشياء ستملأ كل الكون، سيصير الكون فراغ، وسيصبح كل الكون -المعروف واللا معروف- أساطير لا ذكر لها، وستصبح تجاويف روحك أغنية للفراغ

Monday, June 21, 2010

جدار أمل

نُصّي أعمى
نُصّي أطرش
نُصّي أخرس
نُصّي حاسس
نُصّ قلبي بيشتغل

نُصّ عمري اللي انكتب بيضيع ملل

نُصّ أيامي هوا
نُصّ أحلامي نسيتها
نُصّ أفكاري اللي مخنوقة ف دماغي، عن الهبل

نص كل حاجة فيا بينسرق
وبيتحرق
و يعدي فوق منه الزمن و بيتسحل

نُصّي عايش
نُصّي مات من قبل حتى ما يتولد
واللي عاش بكره يموت
واللي مات بيروح يفوت

واللي ميّت، واللي عايش .. مفصولين بجدار أمل

Thursday, June 17, 2010

هزيمة



"حافظ عليها كويس، لو ضاعت منك مش هتاخد غيرها" 

لم أدرك المقصود من تلك الجملة في حينها، لم أتخيل كيف أحفظها وكيف تضيع. لكن الآن أدرك كل شيء 



أدرك أني أضعتها بمحض إرادتي، أسلمتها بيدي للشياطين، شوهتها، مزقت أوصالها، واحتفلت على أشلائها بمجون 



إنني حتى لم أشعر بالندم على فقدانها، لم يوخزنِ ضميري، لم ألُم نفسي على تفريطي فيها. جل ما فعلته هو الانزواء ومشاهدة لحظاتها الأخيرة حين تسلمها ملائكة الجحيم 



الآن وبعد انتهى كل شيء، ألا يحق لي أن آخذ فرصة أخرى، الآن أعرف كل قواعد اللعبة، أحفظها عن ظهر قلب، ربما في إمكاني الفوز في الجولة القادمة،ربما إن حصلت على روح ثانية سأحسن الحفاظ عليها

Saturday, June 12, 2010

أجوبة


يقولون أن الموت هو الحقيقة المطلقة، و أن من يوشك على الموت يعرف كل الأجوبة . حسناً هذا هو ما يقولونه و لكن هل هذا حقيقي، أم هذا مجرد هذيان أحد السكارى في إحدى الحانات الرخيصة، لا أدري حقاً و لكن الوصول للحقيقة قد يستحق المغامرة، و المعرفة اللانهائية قد تستحق الموت من أجلها، حسناً هذا ما اعتقدته .
تخيل أن كل ما تحلم بمعرفته، كل ما دار يوماً بخلدك، كل ما تساءلت عنه يوماً، و كل ما أرّقك ذات يوم، كل هذا و أكثر ستصل إليه في لحظة واحدة، كل أفكارك و أضغاثك و هلاوسك، كل نظرياتك و خيالاتك و افتراضات، كل ذلك قد يُحل في لحظة واحدة، لحظة واحدة و تصل إلى كل شيء، بالتأكيد بعدها سينتهي كل شيء لكنك على الأقل لن تعِشْ مؤرّقاً ولا مُتسائلاً بعد الآن، في الحقيقة أنت لن تعش بعدها .
حسناً أعتقد أن الأمر يستحق، ولكن لأضمن أن أصل لمعرفة كل شيء، لابد و أن آخذ كل ما أستطيع من وقت، لابد أن أموت بطريقة لا تكون غاية في السرعة و بالتأكيد غير مؤلمة، حسناً سأستبعد الأسلحة و السموم و حوادث الطرق، ربما أقفز من فوق أحد المباني، أو ألقي بنفسي في الماء، ربما أجمع بين الاثنين و أقفز من فوق أحد تلك الأبراج المطلة على ماء، يمكنني حينها أن أستمتع بالسقوط بينما أصل للأجوبة .
حسناً، كل شيء كما يجب أن يكون، السماء رمادية قاتمة، لا الشمس أشرقت ولا السحب أمطرت ولا النسيم تلاعب بالأشياء، إنه حقاً اليوم المثالي للوصول للأجوبة . حسناً سأقف على الحافة و ألقي نظرة الوداع الأخيرة على الدنيا من خلفي، الآن سأفتح ذراعيّ على اتساعهما، سأغمض عيني و أقفز .
كل شيء حولي تغيّر، لم أشعر بإحساس الجاذبية على وجهي من قبل، و كأن كل شيء يسحبني للأسفل، الضغط يزداد على أذني، لم أعد أسمع شيئاً، لم أعد أستطع غلق عينيّ أكثر من ذلك، سأفتحهما الآن. يا الله، يالروعة هذا المنظر، لم أرَ الماء في حياتي بهذه الروعة، لم أشعر يوماً بمدى حبي لرائحة البحر، لم ... .يكفي هذا القدر من التأملات، لأحاول الآن أن أركز فيما جئت هنا من أجله، الوصول للأجوبة .
تباً .. أين ذهبت كل الخيالات، أين اختفت كل التساؤلات، أين ذهب كل شيء، لم يكن عقلي يوماً بهذا الفراغ، اللعنة على تلك الأفكار المقيتة، اللعنة على كل الأسئلة و الإجابات و الأحاجي السخيفة، اللعنة عليّ . سطح الماء يقترب كثيراً و يقترب و يقترب، الموج يزأر كألف ألف وحش، حتى الصخور التفت حول نقطة سقوطي في تناغم مدهش، الجميع أتى ليلتهم مني جزءاً، أيها الملاعين سحقاً لكم و سحقاً لي .
الآن كل شيء تكالب عليّ، الأرض تسحبني لأسفل، و الماء يقذفني للأعلى، و كأن كل خلية من جسدي قد انفصلت عن الأخرى لتسبح في اتجاه مغاير، أحس بجسدي يتفتت ألف ألف قطعة، وكل قطعة تنفجر بعيداً عن الأخرى، حتماً إنها نهاية كل شيء، العجيب أن أخيراً هناك سؤالٌ يُلحُّ عليّ