Sunday, March 4, 2012

لقاء

لا يدري ما الذي ذكره بها الآن بعد كل هذا الوقت، بعد أن نجح مؤخراً في التعود على غيابها وتصديق أنها لم تعُد جزءاً من حياته كما كانت في السابق وأصبحت مُلكاً لرجلٍ آخر . بعد أن كان قد تخلّص من ذكراها وبدأ في إعادة التفكير في نفسه وحياته ومحيطه ودائرته الذاتية المُغلقة، فإذا بها تعود بكل عنفوانها وسيطرتها وسطوتها القديمة لتستحوذ على كيانه من جديد .
لا يدري ما الذي دفعه لإعادة فتح تلك الحقيبة التي يوم نجح في غلقها بصعوبة أقسم ألّا يقترب منها ثانية، فإذا به يعيد فتحها وإفراغ محتوياتها بكامل إرادته. من بين كل الأوراق والهوامش والمسودّات والقصائد عير المنتهية، كان يبحث عن ورقة بعينها، وجدها في الجيب الصغير الذي وضعها فيه بعناية، إنها تذكرة القطار الذي لم يلحق به منذ ثلاث سنوات .
مازال يذكر ذلك اليوم كأنه البارحة؛ يومها كان كل شيءٍ يحدث عكس ما أراد – كأن الأقدار أبت لحلمهما أن يكتمل، فكانت مشيئة الله ضد مشيئتيهما-. يذكر كيف استيقظ متأخراً عن ميعاده المعتاد بساعة كاملة -لأن المُنبِّه سقط الأرض مُتحطماً أثناء نومه-، كيف طار فنجان القهوة من يد أخاه الصغير قاطعاً ثلاثة أمتار في الهواء، ليُلطخ قميصه ببقعة لم ينجح في تنظيفها بسهولة، كيف تمزق بنطاله الأسود الجديد حتى قبل أن يرتديه، كيف –ولأول مرة في حياته- نسي أن يشحن بطارية هاتفه المحمول قبل أن ينام، وكيف فاته القطار –لأنه وبكل حماقة- وصعد على متن القطار الخطأ.
لم يُدرك أنها في الوقت ذاته كانت تتأمل تلك الفاتورة القابعة في أسفل أحد أدراج المكتب –بين القصاصات والأوراق والخطابات والاسكتشات الغير مُكتملة- . فاتورة حساب قهوتها التي احتستها باردة وحدها، في المقهى الذي جلست فيه وحدها، وحدها لأنه لم يأتِ. لم يُدرك أنها تتفحص تلك الفاتورة الصغيرة -بشكلٍ شبه يوميّ- لتتأكد أنها انتظره في المكان الذي اتفقا عليه، واليوم الذي اتفقا عليه، والوقت الذي اتفقا عليا، انتظرته ولكنه لم يأتِ .
لم يحاول الاتصال بها من بعد ذلك اليوم لظنّه أنها ربما لم تكن تنتظره يومها وأنها حتماً استجابت لضغوطات والدها وتزوجت من ابن عمّها في اليوم التالي .
 لم تحاول بعدها الاتصال به ظناً منها أنه قد عدل عن رأيه وفضّل السفر إلى الخارج على البقاء معها ومحاربة الواقع من أجلها –كما كان يعدها دوماً-.
لم يُحاول أحدهما الاتصال بالآخر مرة أخرى وإن بقيت حياتيهما معلقتين بلقاءٍ على المقهى خُطط له منذ ثلاث سنواتٍ لكنّه لم يتم .

No comments:

Post a Comment