Tuesday, September 20, 2011

تعثر

مقدمة لابد منها

البوست دا أنا بهديه لكل الناس اللي نفضولي يوم ما كنت في القاهرة، شكرا إنكم إديتولي وقت أقعد مع نفسي وأفكر مع نفسي وأتأمل مع نفسي وألف ف وسط البلد مع نفسي

شكرا لشارع طلعت حرب بمبانيه، بمحلاته، بناسه، برصيفه، بسلم الميترو اللي ف آخره، شكرا على الإلهام

شكرا للصديقة العزيزة شيماء حسن والصديقة الجديدة الجميلة كارمن، شكرا على إعادة الثقة ليا

شكرا لأي حد وأي حاجة ساهم بطريقة أو بأخرى ف إني أرجع أكت تاني بعد انقطاع أكتر من ٩ شهور

شكرا

تعثر

فتاة صينية ف العشرينات من عمرها تفترش الأرض عارضة بضاعتها من الأحذية الجلدية زهيدة الثمن، آملة في أن تجمع ما يعوضها عن فراق الأهل والصحب والدار، تتظاهر بإعادة ترتيب بضاعتها محاولة إخفاء صدرها النحيل -خلف ذراعيها- من ذلك الضخم الذي وقف يلتهمها بنظرات دونية، هي تعلم جيدا أنه يتفحص جسدها دون أن يهتم ببضاعتها القليلة ولا بألمها الكبير، ولكنها لا تستطيع حتى أن تنهره. تزفر في حنق لاعنة المعيشة القاسية ولقمة العيش التي دفعتها إلى مطاردة حلم بائس في بلد أبأس، حلمها الذي تحول من رغبة في الثراء والحياة الكريمة إلى فقط الأمل جمع ما يكفي لرحلة العودة إلى الوطن.

جندي من جنود الجيش يرتدي زيه التقليدي المموه، يبدو من ملامحه أنه لم يتعد العشرين من عمره، بشرته داكنة، وجهه شاحب، حذاؤه مهترئ كقلبه الصغير، بندقيته الآلية أصابها الصدأ. يقف في صمت
أمام المبني الجديد لأحد البنوك الشهيرة، يتأمل العملاء من أصحاب السيارات الفارهة والملابس الفاخرة والطباع الحادة. هو حقا لا يحقد على زبائن البنك ولا على رواد المقاهي والمطاعم الشهيرة المجاورة ولا حتى على طلاب الجامعة الأجنبية في الشارع الموازي، كل ما يحلم به هو إتمام فترة تجنيده والعودة إلى قريته الصغيرة لينشغل بأسرته وبحياته التافهة وأحلامه البسيطة التي لا يدري معظم الأثرياء -الذين يحرسهم ويحرس أموالهم- حتى بوجودها. يلمح تلك الشقراء متجهة نحو ذلك الشيخ ذو العكازين، يحاول تحذيرها لكنها لا تسمعه، يشاهد الارتطام وتجمع المراهقين حول الأجنبية الحسناء، يستجيب لصرختها قبل حتى أن تنطلق، يسرع نحوها يلتقطها من بين أيديهم، ينظر نحوها في ذهول، يهم بالسؤال عن حالتها والاطئنان عليها، لكنه أيقن أنها لن تفهمه، استدار في سرعة وعاد إلى نقطة حراسته داعيا الله ألا يشعر قائده بغيابه

طفلة لم تتعد العاشرة من عمرها، رثة الملابس، قذرة المظهر، حتى روحها التي لم يكتمل تكوينها بعد قد أصابها الوهن. تنظر نحو العابرين بعيون يكسوها استعطاف زائف أتقنت رسمه من طول التحافها ببرد الرصيف، تنظر نحو ذلك البدين صاحب الأكياس البلاستيكية المكدسة في استعطاف عله يشفق عليها وينقدها قطعة فضية قد لا تمثل له أية أهمية لكنها تعني لها الكثير. يتجاوزها البدين في برود فتتطلع في صمت نحو أكياسه التي يحملها، لابد أن لديه ما يصلح للأكل

سائحة ألمانية شقراء تتجاهل عرقها المتساقط على جبهتها، ترفع زجاجة المياه إلى شفتيها وترتشف الماء في نهم، آملة أن تنجح قطرات المياه الباردة في تعويض ما فقدته من السوائل. تصطدم بذلك الكهل ذي العكازين، فتندفع مسافة مترين للأمام قبل أن تسقط على وجهها وتتدحرج أرضا، امتدت إليها عشرات الأيدي، حاولت التعلق بإحداها لكنها فشلت، اكتشفت أن الأيدي امتدت نحوها لا لنجدتها ولكن لمحاولة العبث بما تطاله من جسدها الأوروبي البراق، يد واحدة امتدت نحوها واختطفتها من بين الأيادي العابثة. نهضت في ذهول غير مصدقة ما حدث لها، حاولت شكر ذلك الغريب الذي أنقذها لكنها لا تفقه لغته، وهو قطعا لن يفهم ألمانيتها -في تلك اللحظة تحديدا تمنت لو أنها عملت بنصيحة صديقتها والتحقت بفصل تعلم الانجليزية، لربما أفلحت في التواصل مع ذلك الغريب ذو البشرة السمراء-. نظرت نحوه في صمت مكتفية بهمهمات غير مفهومة والكثير من الدموع

شاب عشريني بدين يحمل الكثير من الحقائب البلاستيكية، يظهر من نظرته المنبهرة وانفعالاته الساذجة كلما مرت عليه فتاة ترتدي أكماما قصيرة أنه ليس من سكان المحروسة، يتوقف كل دقيقتين لالتقاط أنفاسه اللاهثة وسؤال أحد المارة عن وجهته، يحاول السير بأسرع ما يسمح به جسده المترهل عله ينجح ولو مرة واحدة في اللحاق بقطار الساعة الثالثة. يتوقف أمام تلك الآسيوية الضئيلة، يتخيلها بأثدائها الضامرة ومؤخرتها النحيلة وهي تصرخ معترفة بفحولته القجة وتئن تحته من وطأة جسده الثقيل،يتصبب عرقا يتلعثم في وقفته ليسقط أرضا. تتمزق إحدي حقائبه وتتساقط محتوايتها أرضا، يسقط بجوارها ناظرا نحو المارة مستجديا المساعدة من أحدهم، يتجمع حوله شخصان أو ثلاثة يهمان بمساعدته، غير أنهم يتشاغلون بتلك الألمانية الشقراء التي سقطت على الجانب الآخر. تختطف تلك الصغيرة حقيبتين من حقائبه وينطلق كالسهم نحو شارع جانبي. يهم البدين بمحاولة اللحاق به لكنه يدرك أنها ستكون محاولة غير مجدية، يسرع بتفحص حقائبه ليكتشف أن اللصة الصغيرة سرقة حقائب ثيابه الجديدة، ينكب على باقي الحقائب ملوحا بقبضته ومتمتما بسباب بذيء

كهل سبعيني يمشي على عكازين يحاول الإسراع في الخطو بمقدار ما تسعفه خشبتيه المهترئتين من كثرة نحت الأرض لهما ونحتهما للأرض. يتحسر على كل الخطى التي لم يخطها حين كان قادرا على ذلك، ينظر بأسى نحو الرصيف المقبل، أسى لا يعرفه سوى رجل يجاهد كل يوم لعبور الشارع آملا فقط في الوصول إلى الجهة المقابلة دون أن يفقد أيا من أطرافه الباقية، يقطع أفكاره تلك الحسناء التي ارتطمت به فأسقتطه أرضا وسقطت معه، حاول أن يمد يده ليتعلق بعكازه، بأحد المارة، بالسلم الحديدي، بأي شيء، لكن يده الواهنة لم تستطع الإمساك سوى بالفراغ. شعر بنفسه يندفع إلى الخلف، تدحرج دحرجتين على سلم نفق الميترو. كل ما رآه بعد ذلك منظر مهيب للعذراء تتوسط الأفق محاطة بالملائكة من كل الجهات

No comments:

Post a Comment