Saturday, August 22, 2009

رائحة الموت

رائحة الموت



كانت بينه وبين الموتِ علاقةٌ خاصةٌ، علاقةٌ من نوعٍ آخر تتخطى حدود الإدراك المُتعارفِ عليه . فقد اعتاد الإحساس بالموتِ وإدراك اقترابه .
فسر البعض ذلك بأن ملاك الموتِ يمُرُّ عليه قبل أن يذهب لقبض الأرواح، ولكنه كان دوماً ينكر هذا . يقول إنه فقط يشم رائحة الموت، فللموت رائحةٌ مُميّزة ولكن يصعب على الناس إدراكها، لا تختلف باختلاف نوع الميت أو لونه أو دينه، فالموت هو الموت والرائحة هي الرائحة . نعم هو لا يحدد من المتوفى ولكنه فقط يشعر بالموت .

عندما أخبر والدته –للمرة الأولى- أنه يشم رائحة الموت ويشعر به ؛ اتهمته بالجنون وراحت تُطلق النكات عن طفلها الذي يظن نفسه نبياً . ولكن وفاة جده في نفس اليوم جعلت الشك يتسرب إلى قلوب البعض ، حتى وإن اعتبرها الكثيرون محض صدفة . ولكن أدرك الجميع أنها الحقيقة وأنه حقاً يشعر بالموت حين تكرر الأمر مع وفاة عمته وزوجة خاله .

ظن والده –بتفكيره المحدود- أن طفله ممسوس أو على علاقة سرّية بأحد ملوك الجان، فدار به على المشايخ والقساوسة والدجالين والسحرة، ولكن أحداً منهم لم يعطِ تفسيراً مقبولاً أو علاجاً شافياً للأمر سوى أنها هبة إلهية في زمن نضبت فيه المعجزات .

مرت عليه الأعوام وتبدل الحال والرائحة مازالت تصاحبه وتأبى فراقه حتى استطاع التعايش معها – وإن لم يستطع أن يتعايش مع موت الأحبة وفراق المحيطين - .

في طريقه اليوميّ إلى عمله الصباحيّ شعر بتلك الرائحة ثانيةً، ولكنها هذه المرة لم تكن كما اعتاد عليها فهي اليوم أقوى وأقرب إليه من قبل . شعر بالقلق وظن أن الموت أتى ليخطف والدته أقرب الناس إليه وأحبهم إلى قلبه، التاع في بادئ الأمر ، ثم أخد يهدئ من روعه ويهيئ نفسه لاستقبال الخبر عن عودته .

في طريقه للمنزل – بعد انتهاء دوامه- وأثناء عبوره الشارع ، أيقن أن الرائحة اليوم اختلفت، لا لأنها رائحة موت والدته، ولكنها رائحة موته هو . أيقن ذلك لحظة اصطدامه بالحافلة الضخمة وسقوطه في وسط الشارع


Ahmed Mohamed El-Saeed

No comments:

Post a Comment