Sunday, April 25, 2010

رحلة

لم أحبذ يوما السفر بالقطار. رغم أنه أصبح وسيلتي الأكثر استخداما في الآونة الأخيرة، إلا أني أظل مؤرقا منذ بداية الرحلة حتى نهايتها. شيء ما يخيفني في حركة القطار و صافرته، حتى اهتزازاته المعتادة فوق القضبان كانت تثير انقباضا عجيبا في داخلي . 

في أي يوم عادي كان مجرد اقترابي من محطة القطار وحده كفيلا بإثارة شجوني و استثارة أفكاري السلبية، ربما لارتباط القطار لدي بفكرة الفراق، أو ربما أحمل ذاكرة لحادث عشته في حياة أخرى . 

لكن هذه المرة كان شيئا مختلفا، لم أكن راغبا في السفر و لا مستعدا له، لكن فجأة وجدتني أدخل إلى المحطة و أقطع تذكرة للقطار المتجه إلى الشمال. إنها المرة الأولى التي أركب فيها هذا القطار و أسافر على تلك السكة المتجمدة. لا أدري حقا ما الذي دفعني لذلك، و لكن كنت كالمغيب أسير بغير إرادة مني و غير هدف 

حين صعدت إلى العربة وجدتها فارغة إلا من طفلة صغيرة لا تكاد تبلغ السابعة من عمرها تقف على أحد المقاعد، تنظر من النافذة في شرود. اتجهت نحوها و جلست على المقعد المقابل لها في صمت. بدت و كأنها لم تلحظني، ربت على كتفها في رقة، استدارت نحو في عنف و رمقتني بنظرة باردة أحسست أنها تخترق ضلوعي و تثير في قلبي القشعريرة 

تأملتها في صمت، أذكر أني رأيت تلك النظرة الباردة من قبل، إنها تشبه شخصا أعرفه، بدت علي البلاهة فابتسمت لي في خبث. حاولت اختراقها و سبر أغوار روحها -كما اعتدت أن أفعل مع مرضاي- علني أنجح في معرفة من تكون، و لكن كلما حاولت أكثر، كلما فشلت أكثر. تحولت القشعريرة الباردة داخلي إلى انتفاضة في أطرافي و شعرت بأصابعي تتجمد. تطلعت نحوي الطفلة في شراسة و مدت يدها لتلامس جبيني لمسة  غبت بعدها عن الوعي . 

لا أدري ماذا حدث بعد ذلك، كل ما أذكره أني أفقت ممددا في سريري، و تلك البرودة مازالت تأكل أطرافي. اتجهت إلى مرآتي و تطلعت نحوها في صمت، أدركت الآن أين رأيت تلك الطفلة من قبل

No comments:

Post a Comment