Monday, January 17, 2011

شعرة بيضاء


أنهت وضع مساحيق التجميل على وجهها وهمت بالقيام ولكن أفزعها منظر تلك الشعرة البيضاء الصغيرة في جانب رأسها الأيمن، همّت بانتزاعها –كما فعلت مع مثيلاتها من قبل- ولكن شيئاً ما منعها من ذلك. شعور داخليّ انتابها فجأة جعلها تتطلع للمرآة في ذهول. راحت تتأمل ملامح وجهها، تلك الخطوط الصغيرة الآخذة في الظهور، ذلك الإرهاق المزمن الواضح عليها، تلك الهالات السوداء حول عينيها .

لم تلتفت يوماً لبشرتها الآخذة في التشقق، ولا للتجاويف الدقيقة التي تحيط بكل أعضاء وجهها، ولا للشعرات البيضاء الآخذة في الظهور تباعاً، كانت فقط تغض طرفها وتغطي ذلك بمساحيق التجميل. حتى قلة زبائنها المعتادين وعزوفهم عن المرور على الناصية التي اعتادوا التسكع حولها، كانت تبرر ذلك بقلة الأموال أو ضعف الرغبة لدى الرجال بسبب ظروف البلد أو ما شابه . لكن الحقيقة الآن أصبحت أشرس من أي مخلوق رأته يوماً في كوابيسها العديدة، الحقيقة الآن أصبحت لا مفر منها. الأموال لم تنفذ لدى الزبائن، والرغبة لدى الرجال لم تكن أكثر سعاراً منها الآن، لكنه الزمن  جار عليها وفعل بها أفاعيله، لقد كبرت في السن وظهر من يفقنها جمالاً وصباً .

هل حانت اللحظة التي طالما قتلت محاولات التفكير فيها، هل حان الوقت لكي تترك ناصيتها المعتادة وتلتزم بيتها، هل حان الوقت لكي تعتزل الرجال وكل ما يذكرها بهم. ربما ستعتكف في بيتها، وستتوب إلى الله وترتدي الحجاب أو ربما تنتقب ، وستلتزم بالصلاة وما شابه، ستغير مكان إقامتها وتسافر للحج، ربما أيضاً تبني مسجداً أو داراً للأيتام . ربما هذه هي إشارة السماء لها بأن تتوقف عن كل ما تفعله وتبدأ في الاتجاه إلى الطريق الذي يقولون أنه الصحيح .

ربما قد تفعل هذا كله، لكنها حقاً لم تتمنَ التوبة من قبل، في الماضي كانت دوماً تحدث نفسها أنها محظوظة وأن الله يحبها وأنه لن يتركها في طريق الضلال إلى النهاية. لكنها بمرور الوقت تشاغلت عن تلك الفكرة مع ما تناسته من الأفكار والأشخاص والعواطف. أصبحت الآن تدرك أن أمثالها لا مثيل لهم سوى الاحتراق .

أمسكت بهاتفها وطلبت رقم ذلك الداعية المعروف، عندما أجابها أرادت أن تبكِ، أن تحكي له عن قصتها وأن تشرح له عمّا تعانيه، لكنها لم تشعر حقاً بالخشوع فاكتفت بأن طلبت منه الدعاء. انتزعت الشعرة البيضاء في سرعة، أحكمت ارتداء ملابسها وفي هدوء انطلقت إلى ناصيتها المعتادة .

No comments:

Post a Comment